سؤال يتعلق بالفرق القديمة المعاصرة
السؤال: ما صحة قول القائل: إن (80%) من المسلمين اليوم مرجئة باعتبار أنك إذا دعيت أحدهم إلى أمر من الإسلام قال: الإيمان في القلب؟
الجواب: الحمد لله، تنبيهاً أقوله: إننا لم نقصد بهذه الندوة شخصاً أبداً كائناً من كان، بل نحن في الحقيقة كما قال الدكتور عبد الله أنه جاءنا العنوان هكذا، وتعبنا كثيراً في لمّ عنوان كهذا العنوان الهام، وكثيراً ما تفسر الأمور خطأ، ولكن لا بد في ذكر المسائل العلمية -ولا سيما في ما يتعلق بالأعداء، أو من ينفذ خطط الأعداء بعلم أو بغير علم- إن لم تذكر بعض الأمثلة وبعض الأسماء فالكلام يظل عاماً، وقد يخرج البعض ويظن أننا نتكلم عن أحداث تجري في داخل سور الصين العظيم، فلهذا لا بد أن نأتي ببعض الأمثلة والشواهد الواقعية، ولا نقصد أحداً بذاته كائناً من كان.
وبالنسبة لقول الأخ (80%) أقول: إنه ينبغي لنا من حيث المنهج العلمي أن لا نقصر الحقائق العلمية هكذا، ونحن لا ندري عن (80 ولا عن 90)، ولا ينبغي أن يقال كذلك من الناحية العلمية، وإنما يقال إن هذا الشيء منتشر بين الناس، وهذه حقيقة.
إن ما ينتشر ويروج بين العامة من أن الإيمان هو الشعور الطيب فقط أي: مشاعر نفسية في القلب، حب مجمل لله أو للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو للدين وهذا هو المطلوب هو في حقيقته قريب جداً من كلام المرجئة الغلاة الجهمية الذين يقولون: إن المعرفة تكفي، لكن لا نستطيع أن نقول أن هؤلاء العوام جهمية ولا نقول أيضاً إنهم مرجئة وإنما هذه الأفكار تتلاقى، وهذا الشيطان يدعو أناساً لتبني بدعة معينة، ويدعو آخرين إلى آثار هذه البدعة وإلى مقتضياتها وإن كانوا لم يسمعوا بهذه البدع ولم يعلموا عنها شيئاً.
فالإشكال عندي -وهو الذي عجبت له- أن يوجد كتاب ودعاة إسلاميون يدافعون عن الإرجاء، أما ما عند العامة فلا يستغرب إذا كان الدعاة إلى التغيير والإصلاح يدافعون ويقولون: إن الإيمان قول والعمل ليس من الإيمان، فَلِمَ نستغرب أن تشيع عند العامة مثل هذه الأفكار ومثل هذه الآراء؟!
فلا بد أن تصحيح هذا الواقع بدعوة الناس إلى حقيقة لا إله إلا الله، وإلى حقيقة الإيمان، وقد عرضها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضحة سهلة ميسرة؛ كما في حديث الشعب: { الإيمان بضع وستون -أو بضع وسبعون- شعبة } وكما في أحاديث الإمام البخاري في كتاب الإيمان؛ ذكر في تراجمه باب كذا من الإيمان، وكذا من الإيمان وكذا من الإيمان وهي موجودة حتى في الكتب الوعظية التي تقرأ أحياناً أعقاب الصلاة كـرياض الصالحين وغيره، أمور واضحة.
ولكن هذا الإرجاء كحقيقة أو كمنهج أو كفكرة لها وجود تاريخي معين تسربت آثاره نتيجة لعوامل أخرى غير الإرجاء نفسه؛ منها: التراخي، والتكاسل، وحب النفس للخلود للدنيا، وحب النفس ألا تُكلَّف كما يحب الإنسان أن ينام ولا يصلي الفجر إلا متأخراً، وقد لا يكون سمع عن المرجئة شيئاً، لكن هذه طبيعة نفسية حببت إلى النفوس كحب الإخلاد والدعة، ثم تلتقي هذه العوامل مع عامل التصوف مع عامل الإرجاء مع عوامل أخرى، فتشكل هذه القاعدة العريضة في الأمة الإسلامية ممن يظنون أن الإيمان هو مشاعر عامة هائمة، وليست واجبات وأموراً تكليفية قد تشق على النفوس في كثير من الأحيان، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل سلعته غالية وهي الجنة، ولا تنال إلا بهذا التعب وبهذا الجهد كما جاهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه لتحقيق هذا الإيمان.